مبروك جاكم شايب
في مستشفى الولادة، تحديدًا الساعة 1:30 بعد منتصف الليل…
كان الأب جالس على كرسي الانتظار الحديدي يهز رجله بتوتر ويده تضغط بقوة على كوب الشاي الورقي اللي برد من زمان ، وشعوره خليط مابين الخوف والتوتر والفرح لانه ينتظر قدوم مولوده الأول ..
فجأة سمع صوت صياح من داخل غرفة الولادة !
لكنه ما كان صياح رضيع ..
كان صراخ الممرضه !
ركض الأب وهو يصرخ:
وش صاير؟ وش فيه؟
قالت وهي ترتجف:
الولد… الولد اللي طلع هذا مو رضيع .. هذا شايب!!
شايب كامل!
لحية بيضاء، تجاعيد، صوته فيه كحة الكبار
وجالس يهوجس ويطلب دلة قهوة بدال الحليب !
كل المستشفى وقف على رجوله في حالة استنفار !
وبعد فحوصات طويلة وخرابيط جينية ما قد مرت على المختبر من قبل، اكتشفوا إن الولد هذا جاي جيناته تنمو بالعكس .!
يعني حرفياً جاي على الريوس.
كل الناس تكبر…
إلا هو ..
هو كل يوم يصغر بدال مايكبر !!!
قرر الأب، بعد صراع طويل مع الواقعية، إنه يتقبل الوضع، وقال:
دامه غريب بنسميه كويتي هي خربانه خربانه .
وكبر كويتي… أو بالأصح صغر كويتي ..
ومرت عليه مراحل عمرية بالمقلوب
لين جاء ذاك اليوم اللي التقى بفتاة صغيرة اسمها رندا !!
الفصل الأول: لقاء الشايب بالطفلة .
في يوم من الأيام، كويتي بعمر الستين شكليًا، لكن عمره الحقيقي كان شهرين بس.
كان جالس في حديقة المستشفى، يطالع الطيور ويشرب قهوة عربية محطوطة بكوب رضاعة وياكل تمر سكري ويهوجس ..
تمشي من جنبه بنت صغيرة بعمر 6 سنوات، شعرها كدش ولابسة فستان وردي، اسمها رندا.
توقف عنده وتقول:
أنت .. وش مجلسك على الكرسي اللي أجلس عليه دايم!
يرد كويتي:
هذا الكرسي حقي وانا من أيام الملك عبدالعزيز وأنا أجلس فيه.
قالت رندا: يعني أنت كبير مره؟
قال: لاوالله انا توّي مولود قبل شهرين بس انا أمشي بالعمر بالعكس مو زيك تكبرين .
رندا: يعني لو صرت صديقي، كل ما أنا أكبر .. أنت تصغر؟
كويتي يناظر تحت بحزن:
إيه ودامك صغيرة فـ خلاص انا تقنياً حول عمرك لايغرك شكلي ..
ومع مرور الايام صاروا كويتي ورندا أصدقاء..
تمشي وهي ماسكة يده وهو يمشي بهدوء بعكازه.
الفصل الثاني:
كويتي في الاربعينات ورندا مراهِقه .
رندا الحين عمرها 16، ومراهقة على أصولها.
كويتي؟ شكليًا عمره 49. بس تفكيره صار أنضج شوي.
كانت تكلّمه دايم عن مشاكلها في المدرسة:
مره تقول ان الاستاذة مستقعده لها باللبس ..
ومره عاقبتها الاستاذه لانها كاتبه على الطاوله :
"رندا آند كويتي لوف فور ايفر"
ومره عاقبتها الاستاذه لانها بركت على وحده من الطالبات وفتت اعظامها..!
والكثير والكثير من الشكاوي وكويتي يسمع لها بإنصات كل يوم .
وفي يوم من الايام شافها حزينة قال لها وشفيك؟
قالت:
تصدق ياكويتي .. كل صديقاتي عندهم أخوان كبار وأنا ما عندي ..
قال لها:
أنا أخوك، وعمك، وخالك وجدّك… وبعدين أصير ولدك ثم حفيدك .. وش تبين بعد اكثر ؟
الفصل الثالث:
رندا صارت شابّه وكويتي في عز شبابه .
الحين كويتي عمره حوالي 27، جذاب، مثقف، أنيق.
رندا صارت 23، جميلة وناضجة.
صاروا أقرب من أول يطلعون كافيهات يتكلمون عن الحياة وسووا قروب ببلاتو اسمه صحبة من ذهب ..
وفي يوم من الأيام رندا تسأل كويتي :
لو الزمن ما كان يمشي كذا… تتزوجني؟
كويتي سكت شوي وقال:
تدرين وش المشكله؟
المشكله هي اني أنا ما أمشي للأمام، حياتي تمشي للورى، وأخاف أتركك وانتي في عزك، وأنا رايح للطفولة .
قالت:
حتى لو مشيت، أنا أبمشي معك، ما علي من اتجاهك .
صار بينهم حب حقيقي .. مو حب لحظات… حب عمر، حتى لو كان العمر هنا غريب شوي .
الفصل الرابع:
كويتي يصغر ورندا تكبر .
كويتي الحين عمره 16 مراهق مُزعج .
رندا صارت في بداية الأربعين وصارت شخصيتها هادية أكثر .
وصار بينهم اختلاف واضح ..
هو يتابع مسلسلات انمي ويسولف عن البلايستيشن ويلعب فورتنايت … وهي تتابع قناة الواقع ومجلس الطيبين وتتقهوى قدام التلفزيون .
وفي يوم الايام بعد ماكان كويتي يلعب .. قام من مكانه وترك اللعب وتوجه لرندا وجلس جنبها وبعد لحظة صمت قال لها:
أنا خايف ، كل يوم أقرب من الطفولة .. وبعدها؟
قالت:
“وبعدها لاتفكر وش بعدها .. أهم شي حنا نعيش اللحظه ونعيش كل يوم بيومه وبعدين لكل حادث حديث ”
الفصل الأخير :
النهاية
بعد مرور كم سنه ..
في ليلة من الليالي الهادية .. الجو كان بارد، والمطر ينزل برقة كأنه يعرف إن الليلة ما راح تمر عادية.
رندا صارت عجوز ضعيفة ظهرها منحني وعروق يدها باينة من كثر التعب لكنها للحين تصرّ إنها هي اللي تهتم بكويتي، اللي صار الحين رضيع صغير يتنفس بصعوبة ما يقدر ينطق إلا كم همهمة خفيفة وواضح عليه التعب .
حطّته بحضنها، وغطّته ببطانية كانت محتفظة فيها من أيام ما كانوا سوا وهم شباب.
كويتي كان يطالعها… بنظرات مو نظرات رضيع، لا هذي نظرات وداع.
نظرات واحد أدرك ان الوقت خلاه ينولد مرتين بس هذي هي المره الأخيره ..
رندا مسحت وجهه، وقالت له بنبره حزينه والدمعه تنزل من عينها :
أنا عشت كل عمري وأنت كنت معي ..
كنت صاحبي وأخوي وحبيبي والحين طفلي ..
تمنيت اني أقدر أوقف الزمن ونبقى في نفس العمر ..
كويتي رفع يده الصغيرة، ولمس خدّها وهو يناظرها بنظرات بريئه وكأنه يحاول يمسح دموعها ..
لحظات…
وينقطع صوت النفس الصغير.
عقارب الساعة واقفة ..
الدنيا ساكتة ..
كأن الزمن احترم هاللحظة ..
انتهت حياة الرضيع !
لكن مافيه صرخة ولا بكاء .. الهدوء يعم المكان.
رندا حضنته بقوة… كأنها تحاول تمنع القدر، تمنع النهاية.
بس ما قدرت.
وبينما الدموع تنزل من عيونها قالت:
كان الوقت يمشي عكسك، بس أنا كنت أمشي نحوك بكل عمري.
مرت السنين، وكبرت رندا في العمر أكثر، وكانت دايم محتفظه بصورة قديمة عندها كل فتره تطلع الصوره وتشوفها ..
صورة شايب وطفلة يمشون في الحديقة ..
اللقطة الأولى… والأخيرة.
-تمت-
تعليقات
إرسال تعليق